ضحايا حرب ابريل.. اطفال المدارس يزاحمون سوق العمل

291
0
  • ” لا عودة للتعليم ولا مخرج سوى العمل فلا طعام ولا حلول ” هكذا وصف نابغ 13 عام حياته كمعيل وحيد لأسرته النازحة من مدينة الخرطوم و تعيش الآن في مدينة الدامر الواقعة في ولاية نهر النيل ، يخرج نابغ إلى السوق يومياً للعمل . فقد أصبح المعيل لأسرته بعد إصابة والده برصاصة طائشة في منزلهم في مدينة الخرطوم  جعلته طريح الفراش .
  • يعمل نابغ في السوق في أحد محلات بيع الفاكهة . حيث يقوم  بتنظيف المكان ثم يحمل صناديق الفاكهة الثقيلة لترتيبها ، و يبدأ في بيع الفاكهة للمشترين. يستمر في عمله حتى مغيب الشمس، ليرجع بعد يوم شاق ومضني بمبلغ زهيد ، لكنه يشكل فارقاً كبيرًا بالنسبة لعائلته
  • حال نابغ كحال الملايين من الأطفال السودانيين الذين أصبحوا خارج أسوار التعليم من الذين تأثروا بالحرب و اضطروا للنزوح ،حيث تشير الأرقام حسب آخر تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن عدد الأطفال النازحين في السودان 3 ملايين طفل . في الوقت نفسه هناك 19 مليون طفل في السودان غير قادرين على العودة إلى الصفوف الدراسية، حيث أغلقت نحو 10,400 مدرسة واقعة في مناطق النزاع ، إضافة إلى توقف العملية التعليمية في معظم ولايات البلاد عدا ولاية “نهر النيل ” حيث ينتظر أكثر من 5.5 مليون طفل ممن يقيمون في مناطق أقل تأثرا بالحرب إعادة فتح الفصول الدراسية و قد صنفت البلاد بأنها تعيش أسوأ الأزمات التعليمية في العالم.  ملايين الأسر السودانية الآن تواجه حالة تدهور اقتصادي نتيجة للحرب لذلك دفعوا بأبنائهم للعمل في الأسواق المحلية وغيرها من المهن الهامشية متناسين جميع أحلامهم بمواصلة أطفالهم للتعليم أو دخول الجامعة و بناء مستقبلهم  .
  • الحرب وعمالة الأطفال 
  • العلاقة بين توقف العملية التعليمية بسبب الحرب و عمالة الأطفال علاقة ترابطية كما وصفها  د. عبد القادر عبد الله أبوه الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة والذي قال أن عمل الأطفال ممنوع في القانون السوداني و لكن في ظل حالة الفوضى التي تشهدها البلاد من الصعب تطبيق القانون مضيفاً حينما تكون هناك حرب تتوقف مؤشرات  التنمية الاجتماعية و الاقتصادية وتزيد معدلات الفقر و يصبح لدينا زيادة كبيرة  في ظاهرة عمالة الأطفال حيث انتشرت في أغلب ولايات السودان و المناطق الآمنة حيث يعمل الأطفال في الأسواق والمصانع المحلية وغيرها من المهن الهامشية . و بالرغم من عدم وجود احصائيات رسمية بعد إلا أن أعداد الأطفال العاملين تقدر بالملايين منهم  مضيفاً حرمت هذه الحرب الأطفال من نعمة الأمن و الإستقرار و التعليم و بدل الانشغال ببناء الصرح المعرفي وتنمية البلاد أصبحت هموم الناس البحث عن الأمان و مصادر العيش الكريم و لذلك تأتي لديهم أهمية التعليم أخيراً . 
  • المشروعية القانونية
  • تُعرف منظمة الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل والذي يهدد سلامته وصحته و رفاهيته و يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن حقوقه ولا يساهم في تنمية الأطفال و يعوق تعليمهم  و يستغل الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار . تعتبر منظمة الأمم المتحدة عمل الأطفال استغلالياً إذا اشتمل على أيام عمل كاملة ، ساعات عمل طويلة ، أعمال مجهدة ، أجر غير كافي ، مسؤوليات تفوق الحد الطبيعي أو عمل يحط من كرامة الأطفال مثل الاسترقاق .
  • وبحسب ياسر سليم شلبي الخبير الحقوقي والناشط  في حقوق الطفل فقد ورد تعريف الطفل في الدستور السوداني والدولي بأنه أي إنسان عمره أقل من ١٨ سنة و بحسب القوانين الدولية والمواثيق الوطنية التي صادق عليها السودان فإن المواد المتعلقة بحقوق الطفل أولاً تُلزم الدولة بتوفير تعليم  مجاني و إلزامي لجميع الأطفال حتى عمر 14 عام ؛ لذلك فإن مكانهم الطبيعي التعليم و المدارس و ليس أسواق العمل أو غيرها ، كما أشار إلى أن قانون الطفل السوداني لسنة 2010 ينظم عمل الأطفال بحيث أن الأطفال دون 14 عام عملهم محظور ولكن الأطفال ما بين 15 إلى 18 عام هنالك عدد من الاشتراطات لعملهم  فقد نصت المواد  رقم 4 و 5 على أنه لا يجوز تشغيل الأطفال في الأعمال التي  تضر بصحتهم أو نموهم العقلي أو البدني ، لا يجوز تشغيل الأطفال في  الأعمال التي تتطلب جهدًا بدنيًا شاقًا أو خطرًا على الصحة الأعمال التي تتطلب ساعات عمل طويلة أو فترات عمل ليلية أو الأعمال التي تتطلب العمل في ظروف غير صحية أو غير آمنة و أضاف تشمل العقوبات التي تقع على المخالفين لأحكام القوانين المنظمة لعمل الأطفال (الغرامة المالية ،الحبس ،الإغلاق الإداري للمؤسسة المخالفة) مشيراً إلى أن ضعف تفعيل هذه القوانين التي تحمي الأطفال من مخاطر عمالة الأطفال يعد انتهاكاً صريحاً للقانون و أحد أسبابه هو حالة السيولة الحالية بسبب الحرب و عدم وجود حلول جادة للأزمة الإقتصادية و الإجتماعية التي تمر بها البلاد و ضعف الإنفاق على التعليم و توقف العملية التعليمية حتى في معظم الولايات الآمنة .
  • التعليم في الأزمات
  • تعتبر الصدمة النفسية أيضاً من آثار الحرب المدمرة فبحسب د. منال بابكر _ اختصاصي نفسي ومديرة مركز الأحفاد لتنمية المهارات (مركز لذوي الإعاقة و صعوبات التعلم)عطبرة ، أن الصدمة النفسية التي تعرض لها الأطفال جراء الحرب غالبا ما تلحق أضرارًا كبيرة بصحتهم لكونهم في مرحلة حساسة لنمو الدماغ مما يؤدي إلى اضطرابات في وظائف الدماغ يؤثر على قدرتهم في التعلم والسلوك وصحتهم النفسية و تعاملهم مع المجتمع و من حولهم وأشارت إلى أن هذه الأضرار تكون أشد خطراً على الشرائح المهمشة أصلاً لضعف الاهتمام بهم مثل الفتيات وأبناء الأسر الفقيرة  وأطفال الشوارع  والأطفال فاقدي الرعاية الأبوية و اللاجئين والأطفال ذوي الإعاقة . 
  • و أكدت د.منال على أن التعليم (النظامي أو غيره) هو نقطة انطلاق لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي المتكامل و يساعد بشكل كبير على تخفيف آثار الصدمة النفسية للأطفال من خلال تعليمهم المرونة وتنمية مهاراتهم الاجتماعية و العاطفية و دعم نموهم العقلي ، كما أنه يمنح الأطفال إحساس بالأمان و الإستقرار و استمرار الحياة  و يمنحهم الأمل في المستقبل الأفضل و يعزز أهمية الدراسة لديهم مما يقلل من رغبتهم في تركها و يقلل من إحتمالية انخراطهم في أعمال العنف و يساعدهم على بناء علاقات صحية مع الآخرين ، ويعزز قدرتهم على التعامل مع ضغوط الحياة .
  • خطط و تحديات
  • وحول الخطط و السعي لإيجاد حلول للأزمة و رغم التحديات إلا أن مجلس الطفولة  و بحسب مديره قد وضع خطة للتعامل معها كما أكد الأمين العام  د. عبد القادر عبدالله  أن لديهم خطة إسعافية لإنقاذ الطفولة يهدفون إلى تنفيذها خلال الربع الأول أو النصف الأول من العام 2024  ؛ تتضمن بحسب وصفه وضع إطار عام لمراجعة قوانين الطوارئ في كل الولايات الآمنة فقد أشار إلى تلقى الولاة توجيهاً من السيد رئيس مجلس السيادة و مجلس الوزراء و وزارة المالية و وزارة الحكم الإتحادي بدعم جميع برامج وأنشطة الطفولة بما هو متاح و تفعيل برنامج الاحصاء الاجتماعي للأطفال ، إضافة إلى إنشاء قناة للطفولة و مراكز علاج الصدمات تحت رعاية المسؤولين وتكوين لجنة لرصد الإنتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال في السودان ؛ مضيفاً : بدأنا بالفعل برنامج الغذاء و الدواء و الكِساء الدوري للأطفال النازحين في جميع الولايات والأقاليم ، وتابع نعمل الآن على تفعيل قوانين التعليم في وقت الطوارئ و رفعنا مذكرة لوزارة التربية و التعليم و وزارة الإتصالات بأن يفعلوا منصات التعليم الإلكتروني في كل المستويات ابتداءً من الروضة  وحتى الثانوية و تم وضع جميع المناهج بها حتى نتماشى مع الوضع الراهن لأن التعليم إذا فُقد فهذا يعني بالضرورة فقد مؤشرات التنمية الإجتماعية تماماً .
  • وأشار عبدالله إلى أن أكبر عقبة أمام تنفيذ هذه الخطة والتي تتضمن حلول بديلة لاستمرار العملية التعليمية هي الأزمة الاقتصادية و حالة الحرب إضافة إلى توقف الدعم الدولي لقطاع التعليم ، فمثلاً اليونيسيف لعبت دوراً محدود لمحدودية الدعم الخارجي و الآن هذا الدعم بسيط جدا للفئات الهشة ، و نعتقد أن الأمم المتحدة و منظمات المجتمع المدني لم تقم بدورها لرفضهم هي و المانحين تقديم الدعم لحكومة السودان و قررو مقاطعة البلاد في هذه الأوقات العصيبة التي نمر بها و الأطفال هم الضحية الأولى و لذلك فإننا نرفع شكوى لمنظمة الأمم المتحدة و للمجتمع الدولي و نقول لهم لا لتسيس العمل الإنساني تجاه الأطفال فهم الشريحة الأضعف و لا علاقة لهم بالسياسة و من واجبكم دعمهم كما عاهدتم عليه في المواثيق الدولية.
  • المعالجات الممكنة
  • و يرى ياسر سليم الخبير الحقوقي أن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة المنتشرة منها ربط الدراسة و التعليم بانتهاء الحرب ، لكن بحسب وجهة نظره فإن تجارب العديد من البلدان الأخرى مع الحروب مثل اليمن و باكستان و سوريا و غيرها تؤكد على أهمية استمرار التعليم في جميع الأحوال خصوصاً في وقت الأزمات و الحروب و أشار إلى أن السودان قد وقع على عدد من الاتفاقيات والقوانين المتعلقة بالحفاظ على حق التعليم في حالة الطوارئ و صادق عليها ؛ و تابع لأننا نتحدث عن حالة طوارئ وحرب لاتزال مشتعلة ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً لذلك لابد من تنفيذ استراتيجيات بديلة لضمان استمرار التعليم في المناطق المتاحة ووضع المصلحة الفضلى للأطفال في الإعتبار و التي تختلف من مكان لآخر . 
  • وأضاف يمكن تفعيل قوانين المساحات الصديقة للأطفال والتي توفر بيئة آمنة للأطفال كما قامت منظمة اليونيسيف بإنشاء بعضها في بورتسودان و يمكن أن تكون في داخل مخيمات اللجوء و مخيمات النازحين و في القرى والمناطق الآمنة في السودان  حيث تضمن هذه المساحات حصول الأطفال على حقوقهم الأساسية مثل حق اللعب و حق التعليم ؛ و تعتمد هذه المساحات الصديقة بشكل مباشر على الجهود المجتمعية أي ما يعرف بالتعليم المجتمعي : [هو أن يقوم الشباب و الناشطين و المعلمين و منظمات العمل الطوعي بالانخراط جميعاً في تنفيذ برامج تعليمية و ترفيهية و برامج دعم نفسي تساعد الأطفال على تجاوز الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب ] .
  • وتابع يجب استمرار العملية التعليمية في الولايات و المناطق الآمنة ، فليس من الضروري أن تنتظم جميع الصفوف و المستويات معاً أو أن تبدأ جميع الولايات العام الدراسي في توقيت موحد هذا مفهوم لا يستند على أُسس علمية ، فبموجب القانون الدولي لحقوق الأطفال يجب في وقت الأزمات التشديد على أهمية التعليم في حالة الطوارئ  وهو منهج معروف عالمياً ، يتضمن أن يتم تدريس معلومات عامة و يركز على تعليم الأطفال المهارات و القيم الأخلاقية المهمة وتعديل المناهج الدراسية لتتناسب مع أوضاع الأطفال في ظل هذه الأزمة.
  • تتمثل أهمية التعليم في وضع الطوارئ في أنه يعزز التنمية الإجتماعية و الإقتصادية مما يسهم في الحد و التقليل من عمالة الأطفال بشكل كبير وفعال و يعزز بناء السلام والتسامح والاستقرار في المجتمعات المتأثرة بالحروب لذلك فإن حق التعليم في وضع الطوارئ يحتاج إلى مناصرة كبيرة من السلطات الحكومية  و المجتمع بجميع أطيافه و منظمات المجتمع المدني (محلية أو دولية) للعمل معاً لنشر التوعية بخصوص أهمية التعليم وما يوفره من فرص أساسية لنمو الأطفال الذهني والمعرفي وتعزيز الهوية و محاربة العنف و الجهل و الفقر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *